تهذيب الأخلاق لابن مسكويه

Posted by Ali Reda | Posted in | Posted on 5/21/2015

النفس

فإن تشوقها إلى ما ليس من طباع البدن وحرصها على معرفة حقائق الأمور الآلهية وميلها إلى الأمور التي هي أفضل من الأمور الجسمية وإيثارها لها وإنصرافها عن الأمور واللذات الجسمانية يدلنا دلالة واضحة إنها من جوهر أعلى وأكرم جدا من الأمور الجسمانية. لأنه لا يمكن في شيء من الأشياء أن يتشوق ما ليس من طباعه وطبيعته ولا أن ينصرف عما يكمل ذاته ويقوم جوهره فإذا كانت أفعال النفس إذا إنصرفت إلى ذاتها فتركت الحواس مخالفة لأفعال البدن ومضادة لها في محاولاتها وإراداتها فلا محالة إن جوهرها مفارق لجوهر البدن ومخالف له في طبعه.

وأيضا فإن النفس وإن كانت تأخذ كثيرا من مبادىء العلوم عن الحواس فلها من نفسها مباد أخر وأفعال لا تأخذها عن الحوس ألبتة وهي المبادىء الشريفة العالية التي تنبني عليها القياسات الصحيحة. وذلك إنها إذا حكمت إنه ليس بين طرفي النقيض واسطة فإنها لم تأخذ هذا الحكم من شيء آخر لم يكن أوليا. وأيضا فإن الحواس تدرك المحسوسات فقط وأما النفس فإنها تدرك أسباب الإتفاقات وأسباب الإختلافات التي من المحسوسات وهي معقولاتها التي لا تستعين عليها بشيء من الجسم ولا آثار الجسم. وكذلك إذا حكمت على الحس إنه صدق أو كذب فليست تأخذ هذا الحكم من الحس لأنه لا يضاد نفسه فيما يحكم فيه ونحن نجد النفس العاقلة فينا تستدرك شيئا كثيرا من خطأ الحواس في مبادىء أفعالها وترد عليها أحكامها. من ذلك أن البصر يخطىء فيما يراه من قرب ومن بعد أما خطأه في البعيد فبادراكه الشمس صغيرة مقدارها عرض قدم وهي مثل الأرض مائة ونيفا وستين مرة يشهد بذلك البرهان العقلي فتقبل منه وترد على الحس ما شهد به فلا يقبله. وأما خطأه في القريب فبمنزلة ضوء الشمس إذا وقع علينا من ثقب مربعات صغار كحلل الأهواز وأشباهها التي يستظل بها فإنه يدرك بها الضوء الواصل إلينا منها مستدير افترد النفس العاقلة عليه هذا الحكم وتغلطه في إدراكه وتعلم إنه ليس كما يراه وتخطأ البصر أيضا في حركة القمر والسحاب والسفينة والشاطىء ويخطأ في الأساطين المسطرة والنخيل وأشباهها حتى يراها مختلفة في أوضاعها. ويخطىء أيضا في الأشياء التي تتحرك على الإستدارة حتى يراها كالحلقة والطوق ويخطىء أيضا في الأشياء الغائصة في الماء حتى يرى أن بعضه أكبر من مقداره ويرى بعضها مكسورا وهو صحيح وبعضها معوجا وهو مستقيم وبعضها منكسرا وهومنتصب.

فيستخرج العقل أسباب هذه كلها من مباد عقلية ويحكم عليها احكاما صحيحة وكذلك الحال في حاسة السمع وحاسة الذوق وحاسة الشم وحاسة اللمس. أعني حاسة الذوق تغلط في الحلو تجده مرا عند الصد أو أشبهه وحاسة الشم تغلط كثيرا في الأشياء المنتنة لا سيما في المنتفل من رائحة إلى رائحة فالعقل يرد هذه القضايا ويقف فيها ثم يستخرج أسبابها ويحكم فيها أحكاما صحيحة.

والحاكم في الشيء المزيف له أو المصحح أفضل وأعلى رتبة من المحكوم عليه وبالجملة فإن النفس إذ علمت أن الحس صدق أو كذب فليست تأخذ هذا العلم من الحس ثم إذا علمت أنها قد أدركت معقولاتها فليست تعلم هذا العلم من علم آخر لأنها لو علمت هذا العلم من علم آخر لاحتاجت في ذلك العلم أيضا إلى علم آخر وهذا يمر بلا نهاية فإذا علمها بأنها علمت ليست بمأخوذ من علم آخر البتة بل هو من ذاتها وجوهرها أعني العقل وليست تحتاج في إدراكها ذاتها إلى شيء آخر غير ذاتها ولهذا ما قيل في أواخر هذا العلم. إن العقل والعاقل والمعقول شيء واحد لاغيرية شيء يتبين في موضعه. فأما الحواس فلا تحس ذواتها ولا ما هو موافق لها كل الموافقة.

وقد تبين للناظر في أمر هذه النفس وقواها أنها تنقسم إلى ثلاثة أعني:
  1. القوة التي بها يكون الفكر والتمييز والنظر في حقائق الأمور
  2. والقوة التي بها يكون الغضب والنجدة والإقدام على الأهوال والشوق إلى التسلط والترفع وضروب الكرامات
  3. والقوة التي بها تكون الشهوة وطلب الغذاء والشوق إلى الملاذ التي في المآكل والمشارب والمناكح وضروب اللذات الخسية
وهذه الثلاث متباينة ويعلم من ذلك ان بعضها إذا قوي أضر بالآخر وربما أبطل أحدهما فعل الآخر وربما جعلت نفوسنا وربما جعلت قوى لنفس واحدة والنظر في ذلك ليس يليق بهذا الموضع وأنت تكتفي في تعلم الأخلاق بأنها قوى ثلاث متباينة تقوي إحداهما وتضعف بحسب المزاج أو العادة أوالتأدب.

  1. أما الحكمة فهي فضيلة النفس الناطقة المميزة وهي أن تعلم الموجودات كلها من حيث هي موجودة وإن شئت فقل إن تعلم الأمور الإلهية والأمور الإنسانية ويثمر علمها بذلك أن تعرف المعقولات أيها يجب ان يفعل وأيها يجب أن يغفل.
  2. واما العفة فهي فضيلة الحس الشهواني وظهور هذه الفضيلة في الإنسان يكون بأن يصرف شهواته بحسب الرأى أعني أن يوافق التمييز الصحيح حتى لا ينقاد لها ويصير بذلك حرا غير متعبد لشيء من شهواته،
  3. وأما الشجاعة فهي فضيلة النفس الغضبية وتظهر في الإنسان بحسب إنقيادها للنفس الناطقة المميزة واستعمال ما يوجبه الرأى في الأمور الهائلة أعني أن لا يخاف من الأمور المفزعة إذا كان فعلها جميلا والصبر عليها محمودا.
  4. فأما العدالة فهي فضيلة للنفس تحدث لها من إجتماع هذه الفضائل الثلاث التي عددناها وذلك عند مسالمة هذه القوى بعضها للبعض وإستسلامها للقوة المميزة حتى لا تتغالب ولا تتحرك لنحو مطلوباتها على سوم طبائعها ويحدث للإنسان بها سمة يختار بها ابدا الإنصاف من نفسه أولا ثم الإنصاف والإنتصاف من غيره وله.
الأقسام التي تحت الحكمةْ:  الذكاء. الذكر)عدم النسيان). التعقل. سرعة الفهم وقوته صفاء الذهن سهولة التعلم. وبهذه الأشياء يكون حسن الإستعداد للحكمة فأما الوقوف على جواهر هذه الأقسام فيكون من حدودها. وذلك أن العلم بالحدود يفهم جواهر الأشياء المطلوبة الموجودة دائما على حال واحد وهو العلم البرهاني الذي لا يتغير ولا يدخله الشك بوجه من الوجوه.الأقسام التي تحت الحكمةْالذكاء. الذكر)عدم النسيان). التعقل. سرعة الفهم وقوته صفاء الذهن سهولة التعلم. وبهذه الأشياء يكون حسن الإستعداد للحكمة فأما الوقوف على جواهر هذه الأقسام فيكون من حدودها. وذلك أن العلم بالحدود يفهم جواهر الأشياء المطلوبة الموجودة دائما على حال واحد وهو العلم البرهاني الذي لا يتغير ولا يدخله الشك بوجه من الوجوه.

Comments (0)

Post a Comment