مدخل إلى فلسفة العقل - (2) السلوكية

Posted by Ali Reda | Posted in | Posted on 6/01/2015

اتكلمنا المرة الى فاتت على فلسفة العقل وتقسيماتها لمدرستين أساسيتين , المثنوية (Dualism) و الأحادية (Monism) , وتناولنا المثنوية بالتفصيل من خلال استعراض أفكار 5 فلاسفة هم الى كونوا أفكارها وهم افلاطون وارسطو وديكارت وليبنتز ومالينبراخ. حنتكلم انهارده عن الأحادية المادية وبدايات فلسفة العقل الحديثة فى القرن العشرين. 

لحد بدايات القرن العشرين كانت أفكار ديكارت هى المسيطرة على فلسفة العقل لحد 1901, لما العالم الروسى بافلوف (Pvalov) وصل الى الاستجابة الشرطية (respondent conditioning) , بتجربته الشهيرة عن الكلاب عام 1901 , من المعروف عن الكلب أنه عند تقديم الطعام له يسيل لعابه كرد فعل طبيعي. بافلوف قام بإسماع الكلاب صوت جرس قبل تقديم الطعام وكرر العملية دية عدة مرات. ثم قام بإسماع الكلاب صوت الجرس بدون تقديم طعام. صوت الجرس وحده تسبب في إسالة لعاب الكلاب توقعا منها أن الطعام قادم. وبالتالى فى علاقة شرطية بين المؤثرات وردود الأفعال على المستوى الفسيولوجى.

الفكرة دية دخلها عالم النفس الأمريكى واطسون (John B. Watson) لعلم النفس الى طبق الفكرة دية على الإنسان من خلال تجربته الشهير "ألبرت الصغير" (Little Albert) وفيها وضع لعبة  أطفال, فأر مطاط أمام طفل صغير فلم يخف منه وأخذ يلعب به. فى المرجلة الثانية وضع أمامه طفل مطاط ولكن كلما أقترب الطفل من الفأر , كان واطسون يصدر صوتا عاليا مخيفا من وراء الطفل فكان الطفل يخاف ويثبت فى مكانه, وتكررت العملية عدة مرات حتى أصبح الطفل لا يقترب أبدا من الفأر اللعبة , فى المرحلة الثالثة كلما قرب واطسون الفأر المطاط من الطفل , كان الطفل يبكى خوفا. طبعا التجربة دية كانت مثيرة للجدل جدا لكن ما اراد واطسون اثباته تحقق , أن الانسان على المستوى الشعورى والعقلى يتعامل سلوكيا من خلال الاستجابة الشرطية.

وبكده بدأ علم النفس السلوكى(Behaviorism) الى اتطور على يد سكينر (Skinner) , الى من خلال تجربته "الحمامة المؤمنة بالخرافة" (superstitious pigeon) , بين أن الانسان من خلال سلوكه بيكون أفكار كتير تصل لدرجة الأفكار الخرافية. التجربة عبارة عن قفص فيه  حمام جائع , وسكينر بيقدملهم الطعام عن طريق باب صغير بيفتح أوتوماتيك خلال فترات زمنية متغيرة. سكينر أكتشف ان الحمام ربط تقديم الطعام الاوتماتيكى ده بسلوكهم لحظة تقديم الطعام , يعنى لو حمامة كانت بتلف حوالين نفسها ساعة تقديم الطعام , كلما جاعت كانت بتلف حوالين نفسها تانى , لو حمامة كانت بتخبط منقارها فى القفص ساعة تقديم الطعام , فبرضه كلما جاعت كانت بتخبط راسها فى القفص برضه. وكأن فى علاقة بين السلوك وفتح باب الطعام , سكينر من التجربة دية ذهب لابعد من كده وقال ان السلوك ده عند البشر كمان فالانسان بيعمل بعض التصرفات الى بيظن انها بتجيب حظ حسن قبل ما يشرع فى عمل ما , أنه مثلا يحك ايده فى بعض او لاعب الكورة الى بيلمس النجيلة وهو نازل الملعب وهكذا. سكينر كمان وصل ان ممكن فكرة الدين تكون نشأت نتيجة سلوك الانسان ده.

بكده أصبح سلوك الانسان هو المؤشر على الحالة النفسية والفكرية للانسان وهو ناتج عن المؤثرات الخارجية. يبقى لو لغينا الحالات النفسية الداخلية  من المعادلة، حنلاقى ان المعادلة اتحولت الى مؤثرات خارجية داخلة للانسان = سلوك خارج من الانسان. الفكرة دية اتنقلت لفلسفة العقل مع الفلسفة الوضعية (Positivism), المدرسة الوضعية قائمة على مبدأ (Verificationism) وهو ان معنى الجملة قائم على قدرتى على التأكد منها , فلو معنديش قدرة انى اتأكد من مع معنى الجملة فالجملة عبارة عن وهم. أهم فلاسفة الاتجاه كان جلبرت رايلى (Gilbert Ryle) ويعتبر كتابه (The Concept of Mind) هو أول عمل فى فلسفة العقل الحديثة, الكتاب بالاساس كان هجوم على ثنوية ديكارت بالاساس وانتصار للسلوكية مستندا على فلسفة اللغة وأفكارها لفيتجنشتاين (Wittgenstein) بأن مشاكل الفلسفة دية مبنية على أخطاء لغوية واننا لو ضححنا لغتنا فمشاكل الفلسفة حتختفى من تلقاء ذاتها. رايلى بناء على الكلام ده قال ثنوية العقل والجسم , دية مشكلة لغوية لأننا بنتكلم عن العقل والجسم كأنهم "حاجتين" مختلفتين بس فى بعض الضفات المتشابهة بينهم.

الكتاب بيشرح مفهوم يعتبر خطأ لغوى اسمه "التصنيف الخاطئ" (Category Mistake) , يعنى مثلا الجملة الى بتقول "بعد انتهاء المعركة, غطى المقاتلين التراب والمجد" , هل التغطية بالتراب زى التغطية بالمجد؟ أكيد لا , ده خطأ لغوي اننا نضع الاتنين فى نفس الجملة او تحت نفس التصنيف, يمكن ينفع فى الأدب , بس مينفعش فى الفلسفة, بس سهل اننا ندركها. مثال تانى من كتاب رايلى , شخص طلب أنه يشوف جامعة أوكسفورد , وبعد ما لف على المبانى والمكتبة والمعامل والطلبة والاساتذه , سأل هل جميل جدا , بس فين الجامعة؟ الاجابة حتبقى ان كل الى شافه ده هو الجامعة. طب هو سأل ليه فين الجامعة؟ عشان هو مصنف "الجامعه" على أنها من نوع "مبنى" فكان مستنى مبنى واحد اسمه الجامعه. 

طب لو طبقنا مفهوم التصنيف الخاطئ ده على العقل والجسم , حلاقى اننا بنعتبر انهم حاجتين مختلفتين فعلا وتحت نفس التصنيف يعنى فى صفات متشابهة مشتركة بينهم, فبنقول مثلا "ألم العقل غير ألم الجسم" , ده خطأ فى التصنيف وافترض ان العقل بيتألم شبه الجسم بس المختلف نوع الألم. مثال أخر "الذاكرة موجودة فى العقل والقلب موجود فى الجسم" , هل كلمة موجودة بالاستعمالين السابقين واحدة؟ أكيد لا. طب لو فتحت الجسم حلاقى القلب ولو فتحت العقل حلاقى الذاكرة ؟ أكيد لا. بس بإنى اقول الجملة دية فأنا بفترض ان فيه وجه تشابه بين الاتنين وده الخطأ فى التصنيف. طب لو صححنا اللغة بتاعتنا وفهمنا ان العقل والجسم مش حاجتين مختلفتين بينهم تشابه فى بعض الصفات, دول حاجة واحدة بس واحنا لغويا بنخطئ وبنتعامل على انهم اتنين. وبالتالى ثنوية ديكارت الى بتعتبر العقل والجسم شيئين منفصلين وبتقول فى روح داخل جسم "Ghost in the shell" هى خطأ ناتج عن خطأ لغوى. الصح من وجهة نظر رايلى انى مكلمش عن العقل لان مفيش عقل بالاساس, مفيش غير جسم ينتج عنه سلوك. وبالتالى اى سؤال او كلام عن العقل ده وهم , مجرد خطأ لغوى وبكده المشكلة من اساسها اختفت.

لو طبقنا الكلام ده على الانسان , ايه الى يخلينى أتأكد ان الى قدامى فرحان او حزين؟ هل عندى القدرة انى اشوف حالته النفسية الداخلية؟ أكيد لا وبالتالى فالحالة النفسية الداخلية وهم زى ما قلنا. طب ايه المؤشر الى ممكن أعرف بيه ان الانسان ده فرحان او زعلان وأقدر فى نفس الوقت أتأكد منه؟ الاجابة كانت من سلوكه , مثلا انه مبتسم او عابس.

طبعا اى حد وهو بيقرأ الكلام ده ووصل للنقطة الى فاتت , أكيد كون مجموعة من الاعتراضات على الفكرة دية ف على سبيل المثال وليس الحصر: 
  1. يعنى ايه الحالات النفسية الداخلية دية وهم؟ اومال احنا بنحس بايه ساعة الفرح او الحزن؟ 
  2. هل السلوك دايما بيعبر عن العقل ؟ يعنى لو انا حزين , مش ممكن أمثل انى مبسوط وسلوكى يبقى عكس الى انا حاسس بيه؟ 
  3. لو مفيش حالات نفسية داخلية , وان لاى مؤثر خارجى سلوك خارجى, ايه الى يفرق بين شخصين لما يتفرجوا على فيلم درامى , أن واحد يتأثر ويبكى وواحد ميتأثرش؟ أكيد فى حالة داخلية مختلفة عند الاتنين.

وده الى حصل فعلا فى الخمسينات من القرن العشرين على يد تشومسكى وأخرين , فالمدرسة دية خرجت تماما من فلسفة العقل بعد انهيار المدرسة الوضعية على يد كوين (Quine) وبوبر (Popper) وده أدى لظهور المدرسة التانية فى القرن العشرين وهى (Physicalism) الجسمانية.

Comments (0)

Post a Comment